الثورة التحريرية كانت تنادي بالإسلام.. وحُول مسارها في آخر لحظة
ما ألفته من الكتب:
إن البعض ممن لا دين لهم إلا تقليد أعداء دين الله، فبعد الاستقلال – استقلال الجزائر – عن الحكومة الفرنسية، وبعد حرب طويلة استمرت سبع سنوات بشدة، ذهب فيها الكثير من شباب الجزائر وكهولها، وحتى شيوخها ورجالها ونسائها، وانتصرت فيها ثورة التحرير النظامية على جنود المستعمر الهمجية.
ونالت الأمة الجزائرية ما كانت تأمله وتعمل له بجد وتضحية، وظهرت الحكومة الجزائرية للوجود، بعد اختفاء دام أكثر من قرن وثلث – كما هو معروف – ولما ظهرت الحكومة الجزائرية، وأخذت تعد العدة للنظام الذي ستسير عليه، وكل أمل الأمة الجزائرية أن تكون إسلامية في تشريعها، لأن الثورة كانت تنادي بالإسلام والجهاد في سبيل الله، غير أنها في آخر لحظة فضلت النظام “الاشتراكي” على النظام “الإسلامي”، وقالت الحكومة إذ ذاك إن هذا النظام قرره مؤتمر “وادي الصومام” في 20 أوت سنة 1956، والأمة لا تعرف هذا، والمذهب الاشتراكي يسطير على قوانينه اليهود الملاعين المناجيس، وقد خدعوا به بعض من لا يعرفون مكرهم وخداعهم، فذهب يقلدهم ويتبع خططهم، وما بيتوه للإنسانية من كيد ومكر، فيه ضعفها وهزالها، من غير شعور بالخطر الذي يهدد الشعوب ويفنيها.
إن مؤتمر (وادي الصومام) الذي اجتمع فيه البعض من قادة الثورة يوم 20 أوت سنة 1956 في المكان المذكور، ووضع أولئك القادة خطة تسير عليها الثورة، سواء في وقت الكفاح والقتال أو بعد الاستقلال، ومن جملة ما خططوه، أن تكون الدولة الجزائرية بعد الاستقلال (اشتراكية) على النمط الاشتراكي المعروف، ولعل نياتهم كانت حسنة، غير أن استشارة الأمة في مستقبلها واجبة، من غير بت في أمرها وهي غائبة، ولذلك القرار، فقد ظهرت الدولة الأولى للجزائر بعد الاستقلال “اشتراكية”، وكان الشعب الجزائري لا يعرف عن الاشتراكية شيئا، وقد كانت الثورة الجزائرية في وقت الكفاح والنضال تنادي بالشعارات الإسلامية، مثل: الجهاد في سبيل الله، والشهيد، والمجاهد، والمسبل، والشهداء، إلى آخر ما كان ينطق به المجاهدون، غير أن مؤتمر وادي الصومام لم يلتفت إلى ماضي أمته ودينها وأخلاقها، ولم يأخذ بعين الاعتبار ما يريده الشعب الجزائري، ففرض على الأمة نظاما لا يتفق مع دينها، الذي أمرها باتباعه خالقها وهو “الإسلام”، الذي لا نظام في العالم يشبهه، وفي الإسلام ونظامه وتشريعه العادل ما ليس في (الاشتراكية اليهودية) التي هي من مخططات اليهود كما جاء في (بروتوكولات صهيون). ولما طبق في الجزائر هذا المذهب، ساءت الحالة وكثر الشر والفساد، وارتفعت أسعار المعيشة، وقلت خيرات البلاد التي كانت تغطي حاجيات الشعب، وصارت الأرض الجزائرية المعروفة بالخصب والخيرات معطلة بدون عمل ولا إنتاج، فدفع هذا إلى أن تتبعت أصل هذا المذهب الإباحي في مظانّه، فاهتديت إلى أن أصله جاء من بلاد الفرس، ظهر به شخص ادعى النبوة، وجاء بقوانين شيطانية منها هذا المذهب الاشتراكي، وقال فيما قال: إني رأيت أن الخصام الذي يقع بين الأفراد والأمم سببه المال والنساء، والاختصاص فيهما، فإذا أردنا أن نقطع هذا الخصام، علينا أن نزيل أسبابه، فلنجعل الناس كلهم شركاء في المال والنساء لنتفادى هذه الحروب، وقرر أن المال والنساء شركة بين الناس كلهم، وأزال الاختصاص فاتبعه الناس على ما قال، فساءت حياة المجتمع الفارسي، واختل نظامه من هذا الاختلاط، حتى صار الوالد لا يعرف ولده والولد لا يعرف أباه، وضاع المال تماما كما هو واقع الآن في الجزائر، وكان هذا سنة (484م) أي بقرن تقريبا قبل مولد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فهذا الذي رأيته في الجزائر، ودفعني إلى تأليف كتابي هذا، وأسميته “المزدكية هي أصل الاشتراكية” وقد وجدت الحكومة عندنا بعض ذوي الهمم الرخيصة، فأعانوها بفتاوى تحبذ ما ذهبت إليه في مذهبها ذلك، وصاروا ينادون بها ويقولون “اشتراكية الإسلام” أو “اشتراكية عمر بن الخطاب”، إلى آخر ما ينادون به زورا وكذبا، فدفعني هذا إلى تأليف ذلك الكتاب، ولما أردت طبعه في الجزائر، لم يوافق الطابعون على طبعه، وخشوا من الحكومة الجزائرية أن تمنعه، لأنه يخالف مذهبها السياسي، والكتاب دينيّ لا دخل للسياية فيه، فسافرت من أجله إلى المغرب، حيث طبعته في مطبعة “دار الكتاب” المغربية في الدار البيضاء، والمدة التي استغرقت الطبع أربعة شهور: من أكتوبر 1974 إلى جانفي 1975، وألزمني ذلك أن أقيم في الفندق على حسابي الخاص، ونفقات الإقامة وأجرة السيارات إلى المطبعة، لأنها خارج الدار البيضاء كلها على كاهلي، ولما تم، انتشر لدى القراء، سواء في المغرب أو في الجزائر أو في السعودية.
أما في الجزائر، فقد حجزت منه الحكومة البومديينية كمية، وبقي الباقي في المغرب، إلى أن نقلته إلى باريس وصار الآن (في ذلك الوقت) يشتري من هناك، فنفد ولم يبق منه إلا بعض النسخ، ومن الغريب المضحك أن الرئيس الأول المنتخب، أحمد بن بلة، الذي أدخل الاشتراكية إلى الجزائر، قد انقلب ضد الاشتراكية، وصار يقدح فيها ويقول فيها ما لم يقله أحد من قبله، وصار يدعو إلى الإسلام، ويقول لا نجاة من محن الزمان إلا في الإسلام، وكان قبل أن يُزال عن كرسي الرئاسة من المتحمسين للاشتراكية، ويصفنا نحن بـ”الرجعيين”، فانقلب عما كان يدعو إليه بحماس، من داعية إلى الاشتراكية إلى داعية إلى الإسلام، لأنه رأى أن الاشتراكية كذب وزور وبهتان، وهذا ما كنا نقوله لهم: إن في التشريع الإسلامي ما يفوق ما في المذهب الاشتراكي إذا طبق الإسلام كما جاءنا من عند الله.
وهذه عاقبة من خرج عن أصله، وصار يبحث عن أصل غير أصله، فإنه يضل ولا يهتدي.
يتبع…
جريدة الشروق 2011.08.09